طعن أمام المحكمة الإدارية العليا في حكم صادر بالمحكمة التاديبية للتعليم بوقف موظف عن العمل بسبب وقائع نشر
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
تقرير الطعن
انه في يوم الموافق / / 2009
حضر أمامنا نحن مراقب المحكمة الإدارية العليا السيد الأستاذ / المحامي المقبول للمرافعة أمام محكمة النقض و المحكمة الإدارية العليا بصفته طاعنا عن السيد / أحمد صالح أحمد عبدالله المقيم في شارع 21 بلانة مركز نصر – النوبة – أسوان
ضـد
النيابة الإدارية
وقرر الحاضر عن الطاعن أنه يطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية للتعليم وملحقاتها بالقاهرة بجلسة 15/12/2008 في الدعوى رقم 102 لسنة 50 ق والمقامة من النبابة الإدارية ضد الطاعن والتي قضى فيها :
" بمجازاة أحمد صالح عبدالله بالوقف عن العمل لمدة شهرين مع صرف نصف الأجر "
الوقائع
أحالت النيابة الإدارية الطاعن إلى المحاكمة التأديبية بموجب تقرير اتهام قررت فيه أن المحال قي غضون شهر نوفمبر 2007 بمنطقة آثار ميت رهينة التابع للمجلس الأعلى للآثار وبوصفه مدير منطقة آثار ميت رهينة سلك سلوكا معيبا لا يتفق والاحترام الواجب لمقتضيات الوظيفة وأفضى بتصريحات عن أعمال وظيفته عن طريق الصحف بدون حصوله على تصريح كتابي بذلك بأن :-
أ) أدلى بتصريحات صحفية لجريدة الجمهورية بعددها الصادر بتاريخ 28/11/2007 تضمنتها الصفحة السابعة بعنوان حواس لا يعترف ويشكك في رسالته وصالح يرد يضطهدني واشتكاني 42 مرة قي عامين دون الحصول على إذن كتابي مسبق بذلك من السلطة المختصة .
ب) أدلى بتصريحات صحفية لجريدة المصري اليوم بعددها الصادر بتاريخ 23/11/2007 تضمنتها الصفحة الثانية بعنوان الأثري أحمد صالح يحذر من إطفاء أنوار مقبرة توت عنخ أمون بعد الخامسة مساءا وذلك دون الحصول على إذن كتابي مسبق بذلك من السلطة المختصة وذلك كله على النحو الموضح بالأوراق تفصيلا
وطلبت النيابة الإدارية محاكمة المحال تأديبيا بمقتضى نصوص المواد 76/1 ، 77/1،7 ، 78/1 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 وتعديلاته
- تداولت الدعوى بالجلسات على النحو المبين تفصيلا بمحاضر جلساتها وقدم المحال أثناء نظر الدعوى حوافظ مستندات ومذكرة بدفاعه وقد انتهت المحكمة إلى الحكم المطعون فيه.
ولما كان هذا الحكم قد صدر مخالفا لصحيح الواقع و القانون وقضاؤه على خلاف الثابت بالأوراق بالإضافة إلى الخطأ في تطبيق القانون وفي تفسيره و تأويله
ومن ثم فإن الطاعن يطعن عليه الطعن الماثل للأسباب الآتية : -
أسباب الطعن
مقدمة لا بد منها :-
إن قراءة متأنية لأوراق القضية المعروضة أمام عدلكم يبين منها جليا أن هناك محاولة دؤؤبة للنيل من الطاعن من خلال سيل من البلاغات التي قدمت تباعا للنيابة الإدارية فمحاولة منا لتبيان ماهية هذه البلاغات والتي حققت فيها جميعا النيابة الإدارية للوقوف على مدى الرغبة الملحة في النيل من الطاعن نجد الآتي :-
1- البلاغ المقدم من الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بتاريخ 14/11/2007 لهيئة النيابة الإدارية والمتضمن إدعاء قيام الطاعن بالإدلاء بتصريحات صحفية لجريدة الجمهورية بالعدد الصادر بتاريخ 5/11/2007 بالصفحة 1 ، 9 وهو البلاغ المقيد برقم 13666
2- البلاغ المقدم من الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار ضد الطاعن بتاريخ 5/12/2007 والمقيد برقم 14632 والمتضمن إرسال العديد من الأوراق وهي مذكرة السيد/ عطية رضوان رئيس الإدارة المركزية لمصر العليا بشأن ظهور الطاعن ببرنامج تلفزيوني مباشر عن نقل مومياء الملك توت عنخ أمون – ما نشر بجريدة المصري اليوم بتاريخ 21/11/2007 بعنوان ( عالم آثار مصري يتوقع تحول مومياء توت عنخ أمون إلى رماد خلال 30 عاما ) – ما نشر بجريدة الجمهورية بتاريخ 28/11/2007 بعنوان ( الملك توت عنخ أمون أشعل الخلاف بين الاثنين ...) – ما نشر بجريدة المصري اليوم الصادرة بتاريخ 23/11/2007 بعنوان ( الأثري أحمد صالح يحذر من إطفاء أنوار مقبرة توت عنخ أمون بعد الخامسة مساء) – بيان حالة للطاعن
3- أرفق بهذه البلاغات كتاب إدارة الدعوى التأديبية بقنا والمؤرخ 9/2/2006 والمتضمن إحالة القضية رقم 169لسنة 2005 أسوان للمحاكمة التأديبية وكذا كتاب إدارة الدعوى التأديبية بشأن الحكم الصادر في ذات الدعوى
- وما طوته أوراق هذه الدعوى ما هو إلا مقتطفات مما قدم في حق الطاعن في مساحة زمنية لا تتجاوز الشهر وعلى الرغم من أن معظم ما طوته هذه الأوراق ثبت عدم صحة صدوره من الطاعن فضلا عن الزج بموضوع قديم من عام 2005 في هذه القضية الأمر الذي لا نرى سند له إلا محاولة التأثير على جهة التحقيق من خلال تصوير هذا الرجل في شكل المشاغب المثير للمشاكل الذي يناطح رؤسائه ويسيئ إليهم وقد أتي هذا النهج ثماره أمام جهة التحقيق وأمام المحكمة التأديبية وليس أدل على ذلك من تصوير المحكمة التأديبية للطاعن بأنه لم يبتغي الصالح العام وإنما ابتغى الشهرة والظهور قي وسائل الإعلام . وبنظرة موضوعية لما طوته هذه البلاغات نجد أنها قد طوت عدة وقائع خاصة بالتصاريح الصحفية والتلفزيونية بلغت حوالي خمسة وقائع قدمت النيابة المتهم بواقعتين فقط واستبعدت الباقي بعدما ثبت لجهة التحقيق انتفاء صلة الطاعن بما تم نشره وهو ما يستخلص منه من وجهة نظرنا أن الجهة الإدارية تحاول جاهدة أن توقع بالطاعن وبشتى السبل وليس أدل على ذلك من واقعة الماجستير والتي أفردت لها محكمة أول درجة مساحة من أسباب حكمها رغم أنها ليست ضمن ما يحاكم بسببه الطاعن ومحاولة الجهة الإدارية في هذا المجال التجهيل فيما يتعلق بحصول الطاعن على درجة الماجستير ليس له ما يبرره إلا الافتئات على مكانة الطاعن العلمية فالثابت من الأوراق أنه قد صدر القرار رقم 1570 لسنة 2000 بمنح الطاعن إجازة دراسية بمرتب لمدة عام للحصول على درجة الماجستير من جامعة مانشستر بانجلترا وقد سافر الطاعن وحصل على درجة الماجستير وقدم الشهادة الدالة على ذلك للجهة الإدارية ولولا ذلك لتم خصم المبالغ التي تقاضاها والتي صرفت على منحته الدراسية ومطالبته فورا بردها وهذه هي القواعد التي تحكم المنح الدراسية فإذا ما امتنعت الجهة الإدارية عن إثبات مؤهل الطاعن العلمي ببيان الحالة الوظيفية الذي قدمته للنيابة الإدارية أنما يثبت تعنت الجهة الإدارية مع الطاعن بعدم اثبات درجته العلمية في بيان حالته الوظيفية والقول بغير ذلك يحمل مخالفة للقانون لأن الطاعن كان في منحة دراسية ومؤدى ذلك إثبات درجته العلمية الجديدة بمجرد انتهاء المنحة وهو أمر يختلف عن حصول العامل على مؤهل أثناء الخدمة فهنا فقط يلزم العامل القيام بعدة إجراءات لإثبات مؤهله العلمي الجديد ومما تقدم يتضح بما لا يدع مجالا للشك أن سلوك الجهة الإدارية مع الطاعن لا يتصف بالقدر اللازم من الحيادية والموضوعية وبعد هذه المقدمة نتناول المطاعن التي نراها على الحكم الطعين:-
أولا :- الخطأ في تطبيق القانون
استندت المحكمة التأديبية في قضائها الطعين إلى أنه ( ومن ثم فإن ما استقر في يقين المحكمة أن المتهم أخذ من تصريحاته للصحف بدون إذن من رئاسته سوى التمرد على رؤسائه والتطاول عليهم والتشهير بهم الأمر الذي يهز الثقة في السلطة الرئاسية وفاعلتها ونفاذها .
الأمر الذي يكون معه التصريح الذي أدلى به المتهم إلى جريدة الجمهورية بالعدد الصادر بتاريخ 28/11/2007 يمثل خروج من المتهم على مقتضى الواجب الوظيفي وخروجا على حق الطاعة للرؤساء على مرؤسيهم الأمر الذي يستلزم مجازاته عنه تأديبيا).
وبالرجوع إلى التحقيقات نجد أنه عندما سئل الطاعن بتحقيقات النيابة الإدارية عن المخالفتين الذي قدم للمحاكمة بسببهما وهو ما نشر بجريدة الجمهورية وما نشر بجريدة المصري اليوم قرر الآتي :
س : ما قولك فيما تضمنته الصفحة السابعة بجريدة الجمهورية بعددها الصادر بتاريخ 28/11/2007 ؟
ج : أن ما تضمنه هذا العدد كان بشكل مواجهة بيني وبين الأمين العام بالمجلس وذلك بخصوص الأشياء الشخصية التي تتعلق بي وذلك بشأن تشكيك الدكتور زاهي حواس بحصولي على درجة الماجستير وكان يجب الرد في ذلك الموضوع حيث أنني حصلت على درجة الماجستير وكذا قمت بإجراء المواجهة بشأن عدد زوار المومياء .....
- وهنا لا بد أن نوضح أننا أمام أمر مختلف وشديد الغرابة فالأمين العام للمجلس الأعلى للأثار وعلى صفحات الجرائد وهو ما تم نشره في جريدة الجمهورية بالعدد الصادر في 28/11/2007 يقول عن الطاعن ( مين أحمد صالح ده ... إنه موظف صغير قي المجلس)
وهذا يعني أن الأمين العام للمجلس الأعلى للأثار يعتبر مدير منطقة آثار ميت رهينة شخص نكرة ومجرد موظف صغير . وفي موضع آخر من ذات الموضوع يقرر ( أن صالح يدعي أنه حاصل على شهادة الماجستير من الخارج رغم أننا أرسلناه للدراسة مدة عام ولم يأت بأية أوراق تثبت حصوله على الدرجة ) وهذا يعني أنه يشكك في حصوله على الدرجة العلمية رغم أنه أقر بأن المجلس هو الذي أرسله ورغم أن هذا الكلام لو صح لعرضه للمساءلة القانونية و لصار الأمين العام للمجلس مسئولا عن تبديد المال العام لأن ما أنفق على الطاعن في المنحة من المال العام بغرض الحصول على الدرجة العلمية ولو لم يحصل عليها لصار لزاما عليه أن يرد المبالغ التي صرفت عليه من المال العام والمجلس لم يطالبه بذلك وهذا معناه أنه حصل على الدرجة العلمية وما يثير للغرابة فعلا هو أن بيان الحالة الوظيفية للطاعن الذي قدمته الجهة الإدارية خلا من حصول الطاعن على درجة الماجستير رغم تقديم الطاعن ما يفيد حصوله على الدرجة العلمية فور عودته من البعثة.
- وخلاصة القول مما سبق أننا لسنا أمام حالة إصدر تصريحات من جانب الطاعن ولكننا أما حالة استخدم فيها الطاعن حق الرد المكفول له قانونا إزاء ما صدر من الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار لأن ما جاء على لسانه يتعرض لشخص الطاعن ومكانته العلمية وليس له علاقة من قريب أو بعيد بالوظيفة العامة أو بطبيعة عمل الطاعن الأمر الذي ينطبق معه نص المادة 77/1، 7 من القانون 47 لسنة 78 الخاص بالعاملين المدنيين بالدولة لأن الطاعن فيما نشر في جريدة الجمهورية لم يفضي بأي تصريحات أو بيان عن أعمال وظيفته وإنما كان مستخدما لحق الرد المكفول له قانونا للرد على ما قيل بحقه ومساسا بشخصه بل أننا لا نتجاوز إذا قلنا أن ما جاء على لسان الأمين العام للمجلس ليشكل وبحق خروج على مقتضى الواجب الوظيفي والاحترام اللازم بين أرباب الوظيفة العامة .
أما بشأن المخالفة الثانية فقد انتهت المحكمة إلى أنه
( وحيث أنه عن المخالفة الثانية المنسوبة للمتهم حول التصريح الذي أدلى به إلى جريدة المصري اليوم بعددها الصادر بتاريخ 23/11/2007 تحت عنوان " الأثري أحمد صالح – المتهم – يحذر من إطفاء مقبرة توت عنخ أمون من الخامسة مساءا "
جاء به أن المتهم شكر الأمين العام على إضافة مصطلح علمي جديد وهو الجهل العلمي . وذكر أنه أنقذ مومياء توت عنح أمون من خطط الأمين العام .... الإعلامية الغربية .
وحيث أن هذه العبارات تستخلص منها المحكمة أن المتهم لم يكن موضوعيا قي تصريحه إلى الصحف الذي هو في الأصل محظور عليه بحكم القانون إلا بعد الإذن كتابيا من رئيسه وتضمن حديثه التطاول على رئيسه من خلال اتهامه رئيسه بأنه يضع خطط إعلامية غربية للقضاء على موميات توت عنخ أمون .
وحيث أن المتهم قد تجاوز حدود الشكوى التي كفلها له الدستور واتخذ من الصحف منابر له للتطاول على رؤسائه والتشهير بهم فإن الواضح أن المتهم لم يبتغي من ذلك الصالح العام بقدر ما أراد الشهرة والظهور في وسائل الإعلام وعلى صفحات الجرائد بدليل كثرة أحاديثه في الصحف والظهور في التلفاز سعيا وراء الشهرة الأمر الذي يكون معه المتهم قد خرج على مقتضيات الوظيفة العامة وما توجبه من حق الطاعة والتوقير للرؤساء واتخاذ السبل الشرعية السليمة في عرض الشكوى أو إبداء الرأي ويستوجب ذلك مجازاته تأديبيا )
وعن المخالفة الثانية والتي تتعلق بما نشر في جريدة المصري اليوم فقد جاء بتحقيقات النيابة الإدارية :-
س : وما قولك فيما تضمنته الصفحة الثانية من جريدة المصري اليوم الصادرة بتاريخ 23/11/2007 تحت عنوان الأثري أحمد صالح يحذر من إطفاء أنوار مقبرة توت عنخ أمون بعد الخامسة مساءا
ج : لقد قمت فعلا بالادلاء بتلك التصريحات في ذلك العدد وذلك للرد على الاتهامات الشخصية الموجهة لشخصي والتي وصفني بها الأمين العام للمجلس بالجهل العلمي .......................
- وهنا لابد أن نبين تفصيلا ما ذكره الطاعن وهو ( إن إغلاق الأنوار يعني أن فلاتر تهوية المقبرة لا تعمل بعد الخامسة مطالبا بتعيين مرمم متخصص في البقايا العضوية والبشرية ليرصد ويسجل التغيرات في درجات الحرارة والرطوبة قي جو المقبرة عموما وداخل فاترينة العرض خصوصا ) وما قرره الطاعن لا يعدو أن يكون رأيا علميا بحتا ولا يمكن أن تعتبر هذا الرأي العلمي المحض هو تصريح أو بيان عن أعمال وظيفته لأنه من زاوية فإن مقبرة توت عنخ أمون لا تتبع منطقة آثار ميت رهينة التي يتولى الطاعن إدارتها ومن زاوية أخرى فإننا أمام جدل علمي مطلوب للحفاظ على آثارنا وليس أدل على ذلك من أن الواقع فرض نفسه فقد حدد وزير الثقافة عدد زوار المقبرة كما تم إلغاء قرار الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بنقل مومياء توت عنخ أمون .