المبحث الثاني
صور الأخطاء الطبية في العمليات الجراحية
للأخطاء الطبية الجراحية صور تختلف عن الأخطاء الطبية في التخصصات الأخرى
، وهذه الأخطاء الجراحية بعضها يكون شائعاً كثير التكرار ، والبعض الأخر
يكون فيها خطأ الطبيب الجراح واضحاً ، ونورد فيما يلي صوراً لبعض هذه
الأخطاء.
من المعلوم أنه يقع على الطبيب الجراح قبل إجراء العملية الجراحية للمريض
أخذ موافقته على ذلك ، ويجب أن تصدر هذه الموافقة بعد معرفته بحقيقة
العملية والنتائج المحتملة عنها( ) ، إذ لا يجوز إجراء العملية دون رضا
المريض ، وتزداد أهمية ذلك في الأحوال التي قد يتعرض فيها المريض للخطورة
عند إجراء العملية ، إلا أنه في حالة الضرورة التي لا تسمح فيها ظروف
المريض بالتعبير عن إرادته ، فيمكن في هذه الحالة أخذ موافقة ممثله
القانوني أو أقرب أقربائه ، وبخلاف ذلك يعتبر الطبيب مخطئاً ويكون مسؤولاً
، إذا أجرى العملية دون رضا المريض أو من يمثله قانوناً( ) فيكون مسؤولاً
عن النتائج الضارة للعملية الجراحية ولو بذل العناية المطلوبة فيها( ).
أما في حالة الضرورة أو الاستعجال ، فيرى الفقه في هذه الحالة إعفاء
الطبيب من الحصول على رضا المريض ، ولا يعتبر تصرفه خطأ يوجب مسؤوليته(4)
، ولكن يشترط في مثل هذه الأمور ، أن تكون حالة المريض لا تحتمل التأخير
وإن يكون فاقد الوعي وغير قادر على التعبير عن إرادته(5)، وتطبيقاً لذلك
قضي بعدم مسؤولية الطبيب الجراح الذي قام باستئصال ثدي امرأة بأكمله أثناء
إجراء عملية لإزالة كيس دهني من نفس ثدي المريضة ، حيث وجد من الضروري
إزالة الثدي لاكتشاف إصابته بالسرطان(6) .
ويلزم من الطبيب الجراح استخدام الطرق الحديثة في الفحص لمعرفة حالة
المريض قبل إجراء العملية الجراحية ، وعلية في هذه الحالة استخدام السماعة
وأجهزة رسم القلب والتحاليل الطبية والتصوير بالأشعة في تشخيص المرض كلما
كان ذلك ممكناً ، فيكون مسؤولاً إذا أخطأ في تشخيص حالة ، المريض وكان ذلك
يعود إلى عدم استخدام الطرق الحديثة في التشخيص ، والتي تقتضيها حالة
المريض ،
وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض المصرية بمسؤولية الطبيب الجراح الذي
أهمل في عملية تشخيص المرض والذي لا يمكن وقوعه من جراح يقظ في مستواه
المهني فيما لو وجد في نفس الظروف الخارجية التي كانت تحيط بالجراح
المسؤول(1).
وعلى الطبيب الجراح إجراء العملية الجراحية للمريض في المستشفى(2)، وذلك
لتوفر جميع الوسائل اللازمة لإجراء العمليات الجراحية من أدوات وأجهزة
ومواد طبية وأوكسجين وغيرها ، وبناء على ذلك فقد قضت إحدى المحاكم في أبو
ظبي بمسؤولية الطبيب عن وفاة امرأة كانت حاملاً ، حيث أجرى عملية الولادة
لها في منزلها دون نقلها إلى المستشفى ، إذا استعصى عليه إخراج الجنين من
بطن أمه ، وأدى إلى تدهور حالتها الصحية وعلى أثر ذلك تم نقلها إلى
المستشفى حيث توفيت في غرفة الإنعاش مع الجنين ، وقد قضت المحكمة بمسؤولية
الطبيب عن ذلك ، لأنه ارتكب عدة أخطاء منها معرفته بعسر الولادة الذي
يقتضي إجراء عملية قيصرية في المستشفى ، كذلك إهماله في عدم استخدام
الأدوات اللازمة لمثل هذه الحالة كتزويدها بالسوائل والأكسجين لحاجتها
لمثل هذه المواد ، كما أن عمله ينم عن جهل وإهمال ، حيث كان الواجب عليه
أن يقوم بنقل المرأة الحامل إلى المستشفى قبل أن تسوء حالتها الصحية(3).
كما يقع على الطبيب الجراح اتخاذ الاحتياطات اللازمة عند استعمال الأدوات
اللازمة في العمليات الجراحية ، حيث يكون مسؤولاً إذا أهمل في ذلك ، وعليه
فقد قضت إحدى المحاكم الفرنسية ، بمسؤولية الطبيب الجراح عن موت المريض
الناتج عن انفجار آلة كهربائية كانت مستعملة من قبل الجراح أثناء العملية
الجراحية ، لأنه أهمل في استخدامها بالقرب من جهاز أخر الأمر ، الذي أدى
إلى انفجار تلك الآلة الكهربائية(4) ، كما تمت مسائلة الطبيب الجراح عن
الحروق التي أصيب بها المريض ، نتيجة استعماله آلة كهربائية ، وقد كان ذلك
ناجماً عن عدم الحيطة والتبصر التي يفترض بالطبيب الجراح مراعاتها عند
إجراء العملية الجراحية(5) ويطلب من الطبيب الجراح التأني والاحتراز عند
إجراء العملية الجراحية للمريض ، وعليه فيعتبر مسؤولاً عن عدم احترازه عند
إجراء العملية الجراحية أو عند استعمال الأشياء أثناء الجراحة . ولهذا فقد
قضت إحدى المحاكم الفرنسية بإدانة الطبيب الجراح بسبب ما بدر منه من رعونة
تمثلت في إجراء العملية بسرعة ودون احتراز من جانبه بخلاف ما تقتضي به
الأصول المتبعة في العمليات الجراحية(6) ، كما قضت أيضاً أحدى المحاكم
الفرنسية بمساءلة الطبيب الجراح عند خطأه الذي أدى إلى سقوط مريضة من
منضدة الجراحة والذي نتج عنه إصابتها بتشوه في ذراعها ، حيث يعتبر ذلك خطأ
من جانب الطبيب الجراح الذي قام بإجراء العملية الجراحية دون التأكد من
سلامة المنضدة وآلات تثبيت المريضة عليها ، إذ كان عليه التأكد من حسن
استقرار المريضة عليها(7).
وعلى الطبيب الجراح استخدام الطرق الحديثة عند إجراء العمليات الجراحية ،
والابتعاد عن الطرق البدائية في ذلك ، وتطبيقاً لذلك فقد قضت إحدى المحاكم
في كندا بمسؤولية الطبيب الجراح عن الأضرار التي أصابت المريض بسبب تجبير
كسر في فخذ طفل ، حيث اتبع في ذلك طريقة بدائية نتج عنها تلف سريع للعضو
الذي تم تجبيره وقد أدى ذلك إلى بتره ، وقد أشارت المحكمة عندما أدانت
الطبيب الجراح في هذا الحكم ، إلى أنه من الواجبات الأساسية التي تقتضيها
مهنته إتباع الوسائل العلمية لكي يساير مستجدات العلوم الحديثة عند إجراء
علاج المريض( ) .
ويتوجب من الطبيب الجراح إتباع الأصول العلمية المتعارف عليها عند إجراء
العملية الجراحية ، فإذا خرج عن ذلك تترتب مسؤوليته ، وبناء على ذلك فقد
قضت إحدى المحاكم الكويتية بمساءلة الطبيب الجراح عن خطأ مهني ارتكبه في
عملية ختان أجراها على خلاف الأصول الفنية المتبعة في مثل هذه الحالة ،
حيث أخطأ بإزالة كامل الجلد للعضو وليس جزء منه كما هو متبع في عملية
الختان، الأمر الذي أدى إلى تشويه مكان العملية( ) .ويقع على الطبيب
الجراح عند الانتهاء من العملية الجراحية التأكد من إزالة المواد وقطع
الشاش المستعملة في العملية ، ومن الأخطاء التي تتكرر دائماً ترك الطبيب
الجراح لبعض هذه المواد أو قطع الشاش في مكان العملية ، وسبب ذلك قد يعود
إلى انكماش هذه القطع داخل جسم المريض حيث يصعب تمييزها عن أحشاء الجسم ،
حيث يقوم الجراح بعد الانتهاء من العملية بخياطة الجرح فتبقى إحدى هذه
القطع في مكان العملية داخل جسم الإنسان ، وبعد فترة من إجراء العملية
يشعر المريض بآلام في مكان العملية وقد يصاحب ذلك ارتفاع في درجة الحرارة
التي تعود للالتهابات الناتجة عن تعفن هذه القطعة في داخل جسم الإنسان ،
الأمر الذي يستلزم إعادة فتح جرح العملية لاستخراج قطعة الشاش من جسم
المريض ، وقد تؤدي مثل هذه الحالات في بعض الأحيان إلى وفاة المريض نتيجة
لتأثر المريض بالتعقيمات والالتهابات الناتجة عند ذلك( ) . وغالباً ما
يدفع الطبيب الجراح مسؤولية ذلك على مساعديه من الممرضات والممرضين ، على
اعتبار أن من واجباتهم تنظيف مكان العملية من هذه القطع بعد الانتهاء من
العملية ، إلا أن ذلك لا يعفي الطبيب الجراح من هذه المسؤولية فالقضاء
دائماً يتشدد مع الطبيب الجراح في مثل هذه الحالات ، لأنه يتوجب عليه
التأكد من عدد قطع الشاش المستخدمة في العملية الجراحية وخلو مكان العملية
منها ونظافته قبل القيام بخياطة جرح العملية ، ولكن ذلك لا يعني إعفاء
الممرضين المساعدين من المسؤولية في هذه الحالة ، حيث يتحملون جانب من هذه
المسؤولية إذ يقع عليهم القيام بنظافة مكان العملية قبل خياطة الجرح (
).كما يقع على الطبيب الجراح بعد إجراء العملية الجراحية ، القيام بواجب
الإشراف والرقابة على المريض حتى يستطيع استعادة كامل وعيه ووظائف أعضائه
وخصوصاً الأمعاء ، وعليه فقد قضت محكمة النقض الفرنسية في قرار لها
بمسؤولية الطبيب الجراح عند الأضرار التي أصابت المريض الذي لم يتم إنعاشه
بعد العملية بشكل تام لاستعادة وظائف أعضاء جسمه( ) . وهذا لا يعني وجوب
ملازمة الطبيب الجراح لمريضه طوال الوقت بعد إجراء العملية ، ولكن تركه
بعد العملية دون إشراف ورقابه يعد إخلالاً من جانبه يرتب مسؤوليته إذا أدى
تركه بدون مراقبة إلى نتائج ضارة لم تكن تحصل للمريض لو كان قد خضع لإشراف
الطبيب الجراح( ) .
المبحث الثالث
إثبات الخطأ في العمليات الجراحية
من المقرر قضاءً وفقهاً ( ) أن التزام الطبيب تجاه المريض ، يعتبر
التزاماً ببذل العناية ، وهذا يعني أن الطبيب لا يكون مسؤولاً عن نتيجة
العلاج ولكن عليه بذل العناية اللازمة بهدف شفاء المريض، وذلك بإتباع
الوسائل العلمية في علاجه أو عند إجراء العمليات الجراحية ، وقد أكدت ذلك
المادة (18) من قانون مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان العماني الرقم
( 22 ) لسنة 1996، حيث نصت على ذلك بالقول : " لا يكون الطبيب المعالج
مسؤولاً عن نتيجة العلاج بشرط أن يكون قد بذل العناية اللازمة واستعمل
جميع الوسائل المهيأة له لتشخيص حالة المريض وإعطائه العلاج الصحيح " .
وإذا أخل الطبيب بذلك ، ولم يبذل العناية المطلوبة عند علاج المريض ،
فإن ذلك يشكل خطأ طبي من جانبه يرتب مسئوليته ( ) ، سواء كانت عقدية أم
تقصيريه ( ) . وقد نصت على ذلك المادة ( 19 ) من نفس القانون المذكور
بالقول : " يتحمل الطبيب مسؤولية عمله والأضرار الناتجة عنه في الحالات
الأتيه : ب- إذا وقع منه إهمال , أو تقصير، أو لم يبذل العناية اللازمة "
.
وبناء على ذلك يتطلب من الطبيب الجراح بذل العناية اللازمة عند إجراء
العملية الجراحية للمريض وعليه إتباع الأصول العلمية الثابتة عند إجرائها،
فإذا أخل بذلك يكون مسؤولاً عن الأضرار التي تصيب المريض .
وإلى جانب ذلك، هناك حالات يكون فيها التزام الطبيب التزاما بتحقيق نتيجة
، حيث يكون فيها الطبيب ملزماً بسلامة المريض من خطر حوادث قد تقع للمريض
أثناء قيامه بالعمل الطبي .
وسوف نتولى في هذا المبحث دراسة إثبات خطأ الطبيب الجراح في الالتزامات
التي يكون مضمونها بذل عناية وفي الالتزامات الأخرى التي يكون فيها ملزما
بتحقيق نتيجة، وذلك في مطلبين على التوالي .
المطلب الأول
إثبات الخطأ في الالتزام ببذل عناية
يلزم من الطبيب الجراح عند إجراء العملية الجراحية للمريض أن يبذل في ذلك
جهود صادقة ، ويجب أن تتفق هذه الجهود مع الأصول العلمية المتعارف عليها
في مهنته . فإذا لم يبذل الطبيب العناية اللازمة عند إجراء العملية
الجراحية ، يتحمل المسؤولية عن الأضرار الناتجة عن ذلك( ) ، ولتحديد
مسؤولية الطبيب في هذه الحالة ، فإن عبء إثبات خطأه يقع على عاتق المريض(
) ، سواء كانت مسؤولية الطبيب تجاه المريض عقدية أم تقصيريه( ) ، ذلك لأن
التزام الطبيب الجراح تجاه المريض هو التزام ببذل عناية ، ومضمون هذا
الالتزام لا يختلف سواء وجد بين المريض والطبيب عقد أم لا ، لذلك يتوجب
على المريض إثبات وجود التزام على عاتق الطبيب بعلاجه إما بناء على وجود
عقد بينهما أو طبقاً لأنظمة وتعليمات المستشفى الموجود فيه( ) .
كما عليه أن يثبت عدم بذل الطبيب الجراح العناية اللازمة عند إجراء
العملية الجراحية وذلك بإقامة الدليل على وجود إهمال أو خروج من جانب
الطبيب عن الأصول العلمية المتعارف عليها في ميدان مهنة الطب ، والتي لا
يقدم عليها طبيب أخر بمستواه فيما لو وجد بنفس ظروفه( ).
وهذا يعني أنه لا يكفي في هذه الحالة لمساءلة الطبيب الجراح إثبات
المريض لخطأ الطبيب بعدم بذل العناية المطلوبة ، وإنما يتوجب من المريض
إثبات وجود التزام على عاتق الطبيب لعلاجه وإصابته بضرر أثناء تنفيذ هذا
الالتزام ، إذ لا يجوز إفتزاض خطأ الطبيب الجراح لمجرد إصابة المريض بضرر
أثناء إجراء العملية الجراحية ، وإنما يتوجب إثبات صدور خطأ من جانب
الطبيب الجراح( ) ، كعدم إجراء فحصه قبل العملية الجراحية أو عدم إتباع
الأصول العلمية المستقرة عند إجراء العملية الجراحية أو عدم متابعته بعد
إجراء العملية الجراحية ، وللطبيب الجراح حتى في حالة إصابة المريض بضرر
أثناء أو بعد إجراء العملية الجراحية ، أن ينفي عنه المسؤولية ، إذ أثبت
أنه بذل العناية اللازمة أثناء إجراء العملية الجراحية .